jeudi 30 octobre 2008

نسيم الامس


نزلت عدّة درجات من سلّم قيل انه سلم الحياة، تعثّرت قدماي بنظرات اللّوم والعتاب التي
وجدتها مرسومة على ملامح تلك الجدران القديمة، جدران ترتدي فساتينا من الطّين والقشّ. لقد نسيناها ورصّفناها في رفوف الذكريات وجعلناها تختنق بغبار اللامبالاة تحتضن حكايات ذلك الزمن الجميل...تصبّبت عرقا وندما ونزلت درجات أخرى...ـ
صفعتني أصوات وكلمات مكلّلة بالعبر والحكم..وداعبت أناملي نسائم العفّة والحياء التي ملأت وجوههنّ..ـ
وجوه مختفية تظهر عندما تلامس السحب أهداب القمر وجوه قبّلها الوشاح ولوّنتها حمرة الخجل..كلامهنّ كوشوشة العصافير وكصوت تلاعب الرّياح بأوراق الشجر
نظرت إلى الأعلى حيث كنت فلم أجد شيئا من هذا...
بل وجدت أجساما شبه عارية تمزّق الطّرقات...وجوها ابتلعت كلّ معاني الحياء والخجل...ترى عيونا قاسية ولحوما رخيصة باردة تغرس براعم الرّذيلة في كلّ مكان...أصواتهنّ العالية وقهقهتهنّ تنافس أصوات السيّارات وتلوّث لون السّماء...يدسن على الأرض بكلّ فخر فيصفرّ العشب الأخضر تحت أقدامهنّ...أمّا إذا أعجبهن شئ يقتلعنه بمخالبهنّ مثلما تقتلع الأعاصير جذور الأشجار...
انتابني شعورغريب...جلست...تنفست الصعداء وقيّدتني رغبة الصمت...كصمت تلك المرأة الّتي أرى وجهها يطلّ تارة ويختفي اخرى ..تمعّنت النظر فرأيتهما هناك...
كانا معا في غرفة تفصلهما بعض الأمتار ولكن في واقع الأمر كانت تلك الأمتار القليلة بحارا جزرا وصحاري... مسافات من الصّمت والهدوء المضطرب...مسافات من الكبرياء الممتزج بالخوف والرّهبة منه..
كان أمامها جالسا على كرسيّه مثلما يجلس الملك المتجبّر على كرسي عرشه، كان يكتب ولا يرفع عينيه من الورقة اما هي فكانت تحيك ملابسا لمولودها المنتظر..كانت تتأمّله بنظرات يملأها الفضول والخشية منه..نظرات ملتمسة شيئا من عطفه..كانت ترسل له بكلمات رقصت على لحن أنفاسها كلمات أضلّت طريقها بين غيوم صنعت من دخّان سيجارته..
صمت يسود الغرفة.
صمت كان يتمنى الانتحار فوق شفتيها تراها هادئة وصامتة ولكن حربا اندلعت في صدرها جعلت نفسها حلبة صراع..ورغبة طفيلية متوحّشة انبثقت من أرض جنينها، تأصّلت جذورها بين أوردتها وعانقت أغصانها وأوراقها، أنفاسها وخواطرها..
رغبة باتت تخنقها وتجعلها تتخبّط في ضفاف بحار جفّت مياهها..
كلّما زاد صمتها كلّما زاد جبروت تلك الرّغبة تهدّبت أغصانها وغاصت جذورها في عمق كيانها تبحث عن مخرج من ظلمات هذا الكهف المهجور..
كلّما زاد خوفها وتردّدها كلّما انجبست براكين تساؤلات وحيرة من صحراء كتمانها قاذفة شظايا أجوبة تاهت في سماء عينيها..
كلّ هذا يدور في نفسها ولكن..لا يزال الصّمت يتمنّى الانتحار.
كان يمكن لهذه الرغبة الطفيليّة العمياء أن تهدأ بمجرّد أن تقول: أريد تلك الثّمار..نعم ارادت مجرد حبة ثمار ولكنّها فضّلت الصّمت يغمرها اضطرابها وارتباكها فيتساقط الهدوء والاطمئنان بين تجاعيد وجهه وهو يكتب ولا يعلم شيئا عن تلك الحرب والبراكين التي جعلتها تشتهي تتألّم ولا تتكلّم..
ولا يزال الصمت يتمنى الانتحار..ابتلعت رغبتها بينما أمطر هو هدنة وسكونا وانزادت لتقاسيم وجهه هبة ووقار وجبروت الرّجل الشرقي المتمسك بمبادئه وأفكاره ظنّا منه أنّها الأمثل...
اضطرابها وهدوئه، صمتها وتجاهله قهر الصمت ذاته إلى أن جعلاه يفكّر في الانتقام.
أيقظني من ذهولي صوت القطار...وسخر منّي ضجيج المدينة..دخان السيارات أخفى عنّي وجه تلك المرأة تلاشى كلّ شئ..حتّى تلك الثمار جفّ جمالها...
حينها تساقطت دموع قلمي فوق صفحات تألّمي شعرت بالبرد.. اريد ان اقبل تلك المراة كيف وهي تختبئ بين طيات الذكريات طيات ماض بعيد

.

Aucun commentaire: